السبت، 26 فبراير 2011

المحاكم الاستثنائية

كان نائما علي مصطبة أمام منزله ليستريح من عناء يوم شاق .. قرب الفجر استيقظ علي صوت ضجيج ليجد زوار الفجر وقد جاءوا ليقبضوا علي أحد جيرانه .. صرخ فيه الضابط أن ينام ولكنه لم يستجب لفرط مااستبد به من فضول ، غضب الضابط وانهال عليه ضربا ثم أمر به أن يلقي في سيارة الشرطة .. ودارت العجلة بسرعة ليجد نفسه ضمن تنظيم مقدم لمحاكمة عسكرية .

أخذ يصرخ في المحكمة " أنا ماليش دعوة بالناس دية .. فين القانون ، فين العدل " ولكن المحاكمة مضت بسرعة ليجد نفسه وقد حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة ليقضيها في سجن شديد الحراسة .في قضية ليس في أوراقها أي شئ سوي محضر تحريات الشرطة الذي كتب فيه الضابط ما يبرر به القبض علي الرجل المسكين من أكاذيب· 

هاجم البعض نقطة مرور قرية سلامون في طما سوهاج وفروا هاربين دون أن يدركهم أحد .. وكان لابد أن يسدد المحضر فتم القبض علي خمسة من أبناء البلدة واتهموا بالجريمة واجبروا علي الاعتراف بها وقدموا للمحاكمة .. لم يجد القاضي في أوراق القضية ما يدينهم واكتشف التناقض بين الاعترافات المزورة والتقارير الفنية المقدمة فحكم ببراءتهم جميعا
 
لم يعجب الحكم الحاكم العسكري فرفض التصديق عليه وأعاد القضية لمحكمة أمن الدولة العليا تحت قيادة قاض اشتهر بأحكامه الشاذة .. طلب المحامون أجلا للإطلاع فرفض قائلا إن القضية بسيطة ومنتهية وأريد أن أسرع بالحكم ليلحق الأبرياء بأهليهم ولا يتأخروا في السجون .

أثناء نظر القضية قبض علي تنظيم جديد اعترف أفرادة بارتكاب الجريمة ضمن ما ارتكبوه من أحداث وقدموا للمحاكمة علي أحداث ضمت ضمن ماتضمنت تلك الحادثة .. وهكذاكانت القضية متداولة في محكمتين في وقت واحد .واحدة تحاكم الأبرياء والأخري تحاكم من ارتكبوا الحادثة .

حكم القاضي المذكور في أيام معدودة بإعدام ثلاثة من الخمسة الأبرياء – نفذ الحكم في اثنين منهم ومات الثالث قبل التنفيذ في السجن  – أما الاثنان الآخران فقد حكم عليهما بالسجن المؤبد – وهما يقضيان الحكم الآن – وكذلك نال مرتكبوا الحادثة الحقيقيين ما نالوه من أحكام .

* كان حدثا لم يجاوز السادسة عشر فوجئ بزوار الفجر يقتحمون البيت بحثا عنه ولكنه لم يكن موجودا فاصبح طريد العدالة .. اشتغل في مقهي لبعض الوقت ثم عمل بائعا للبسبوسة وكان ينام مختفيا كيفما اتفق .. التقي بشاب استضافه وقص عليه قصته وذكر أنه ينوي أن يفجر سينما وأفاض معه في الحديث عن امكانه احضار أنبوبة بوتاجاز والدخول بها وتفجيرها هناك .. ولحظه السئ كان هذا الشاب مرشدا للمباحث حيث أخبرهم عن نيته فقبضوا عليه – دون حتي أن يشرع في تنفيذ خيالاته المريضة والمستحيلة – وقدم للمحاكمة – محكمة أمن الدولة – لتحكم عليه بالسجن 10 سنوات وهو أقصي حكم يناله حدث إذ الحدث يحكم عليه بثلث حكم الراشد .. بمعني إنه حكم عليه بما يوازي الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة علي جريمة لم تزد عن خيالات وأوهام ودون حتي أن يشرع فيها 

* لفقوا له قضية جديدة فيها صندوق متفجرات لم يره أو يسمع عنه وقدم للمحاكمة العسكرية مع أحد التنظيمات إياها .. وسارت اجراءات المحاكمة في طريقها وشهد الضابط الملفق بأنه ضبطها عنده وكان المتوقع أن يحكم عليه بالإعدام كما هي العادة في مثل هذه القضايا .. ولكن ضمير الضابط الملفق استيقظ وخشي أن يلقي الله بدمه فعاد بعد أيام ليطلب من القاضي إعادة شهادته ويذكر أنه بالفعل لفق له هذا الصندوق وأن المتهم لا يعرف عن الصندوق شيئا 

فقال القاضي " لقد أنقذت رقبته من حبل المشنقة ".. ثم فوجئ الجميع بالحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة بتهمة الانتماء لتنظيم كان قد حكم عليه قبلها بمثل هذا الحكم لنفس التهمة وهو الآن يقضي تأبيدتين بتهمة هذا الانتماء .

عشرات من القضايا وعشرات من هذه الأحكام الشاذة صدرت أثناء الأحداث ونفذت أعرف أصحابها جيدا  وتابعت سير تلك المحاكمات ولازلت ولازال كل من عاصروها يتحدثون عنها باستغراب ويضربون كفا بكف 

لم تكن محاكمات بالمعني الصحيح .. امتنع أكثر المحامين عن المشاركة فيها وقد وجدوا أن جهدهم فيها لا طائل من ورائه .. وحتي من حضر منهم لم تكن المحكمة تعطيهم حقهم الطبيعي في أداء واجبهم .. فقد كانوا ممنوعين من مقابلة المتهمين سواء في السجن أو في المحكمة وكان المتهمون ممنوعون من الاطلاع علي أوراق القضية أو المشاركة في الدفاع بأي صورة أخري هذا فضلا عن صور التضييق المختلفة التي عاني منها المتهمون ودفاعهم أثناء سير المحاكمة .. أما الأحكام فكانت فكرة الردع هي المسيطرة علي أذهان القضاة العسكريين أو المختارين لمحاكم أمن الدولة العليا بغض النظر عن موقعها من القانون أو قل الخيارات المتشددة فيه .. هذا فضلا عن التلفيقات التي شابت القضايا ولم تتح الفرصة الكافية لتمحيصها ونقدها . 

يضاف إلي ذلك أن هذه المحاكم الاستثنائية ليس فيها نقض وبالتالي فلا مجال لمراجعة تلك الأحكام ورقابة من أبرموها الا في التماس بإعادة النظر يقدم للحاكم العسكري الذي عادة ما يصدق عليها الا أن يكون الحكم مخففا من وجهة نظرة فيعيدها للمحاكمة أمام دائرة أشد 

وهكذا أعدم العشرات وسجن المئات تنفيذا لمثل هذه الاحكام التي أصدرتها تلك المحاكم الشاذة في قانونها وفي أحكامه وفي شذوذ بعض قضاتها . 

والآن وبعد ثورة الشباب المباركة .. ونسائم الحرية التي بدأ الوطن يتنسمها . أما آن لآثار هذه السبة أن تزول عن وجه الوطن ووجه قضائنا الشامخ الذي لوثوه بتلك القضايا والأحكام أما آن لبقايا هؤلاء المضارين بتلك الأحكام أن يزول عنها ماتبقي من بلاء هذه الأحكام .ويصدر في حقهم عفو عام بعذ أن قضي أخفهم حالا أكثر من 15 سنة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق