حادث شنيع بلا شك.. لا يقره دين ولا عرف ولا يبرره شيء.. أطفال ونساء وشيوخ ما بين قتيل وجريح.. لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا في الطريق في ذلك الوقت.. سائر في طريقه.. أو واقف يحدث صاحبه.. أو خارج من صلاته في كنيسته أو مسجده.. كلاهما في الطريق متواجهان.
أصاب المسجد من أضرار الانفجار أكثر مما أصاب الكنيسة.. كلهم كان منشغلا ً بأمر من أمور دنياه .. لا يشغل باله من أسباب الانفجار شيء .
وفجأة يدوي هذا الانفجار.. فإذا بهم جميعا ً ما بين مساق إلي المقبرة ميتا ً.. أو إلي المشفي مصابا ً
استنكر الجميع وشجبوا وسبوا ولعنوا .. ولكن ماذا بعد ذلك؟
من فعلها ؟
ولماذا ؟
ماذا نفعل جميعا لكي لا تتكرر؟
من فعلها ؟
سارع الجميع باتهام القاعدة .. ولهذا الاتهام منطقه.. خاصة بعد تهديداتهم بعد حادث كنيسة النجاة في العراق .. وكذلك لموافقته لنهجهم في التفجيرات التي لا تدقق فيمن تنفجر فيه فتأخذ العاطل بالباطل .. ولربما أصيب الأبرياء والأطفال والنساء ومن لا يحل قتلهم بحال .
ولكنه ليس الاحتمال الوحيد .. بل ولربما لم يكن أقوى الاحتمالات.. فالموساد يطرح نفسه بقوة في هذا الموضوع.. خاصة أن الحادثة وقعت بعد تصريحات عاموس يالدين رئيس الموساد السابق.. والتي تحدث فيها عن إنجازاته خلال مدة رئاسته الموساد.. حيث قال بالحرف الواحد عن نشاطه في مصر:
" لقد أحدثنا اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية في أكثر من موقع.. ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائما ً.. ومنقسمة إلي أكثر من شطر لتعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية ".
وهو تصريح يلقي أضواءه علي نشاط إسرائيلي خطير داخل مجتمعنا.. لا يكتفي بالتجسس وجمع المعلومات .. وإنما هو يمارس بفاعلية – علي حسب زعم يالدين – دورا ً خطيرا ً في تمزيق لحمة المجتمع وإضعاف روابط وحدته لإنهاكه وإضعاف قواه في مواجهة خصومه .
ومما يدعم هذا الاحتمال أن الكنيسة المختارة لإحداث التفجير لا تتميز عن غيرها من كنائس الإسكندرية.. إلا بوجودها أمام مسجد .. وبالتالي فالمتوقع بعد التفجير والقتلى والمصابين والصدمة أن ينفعل أهل هؤلاء ورفقاؤهم ويهاجموا المسجد احتجاجا ً علي ما حدث.. فتحدث فتنة لا يعرف لها نهاية.
وهذا بالفعل ما كاد يحدث.. لولا يقظة الأمن وتدخله السريع لإجهاض المحاولة .
وهناك احتمال ثالث لا يقل قوة عن سابقه.. وهو محاولات قوي غربية بمساعدة بعض عملائهم في الخارج والداخل.. لافتعال أحداث تستغل كذرائع للتدخل في شئون البلاد تمهيدا ً لتمزيقها.. كما فعلوا من قبل مع السودان والعراق وغيرهما.
وتستطيع أن تدرك من سيل التصريحات الذي تابعناه عقب الحادث لقادة الغرب ومسئوليهم وعملائهم في الداخل والخارج .
فقد بادر البابا بندكيت بدعوة الدول الكبرى للتدخل لحماية مسيحي الشرق الأوسط .. مما وصفه بالاضطهاد.
وصرح مايكل منير صاحب البرلمان القبطي الموازي بأنه تلقي وعودا ً من كبار المسئولين الأمريكان بمتابعة هذه القضية لمحاسبة مرتكبيها.. ولو أدي الأمر كما زعم للتدخل العسكري .
ولا أدري لماذا الأقباط المصريين بينما يقتل مسيحيو العراق المحتلة من الأمريكان والذين يوافقونهم المذهب دون أن يحركوا ساكنا لحمايتهم .
ويدعم هذا الاحتمال أن التقارير الأولي عن الحادث ذكرت أن مرتكب الحادث كان يركب سيارة ذكروا رقمها "س ي ج 5139 " اتضح أن مالكها مسيحي.. ولكن التقارير التالية تراجعت عن هذه الدعوي ذاكرة أن من فعل هذا كان انتحاريا تمزقت أشلاؤه في الحادث .
وهناك احتمال أخير أن يكون فاعلها بعض الشباب المتحمس الذي لا يضمه تشكيل ولا تنظيم.. وإنما استفزه المناخ الطائفي والتصرفات غير المسئولة لبعض متطرفي النصارى بالداخل والخارج .. وافتقد من يثق فيه من أهل العلم ليسأله ويستفتيه.. فسار علي غير هدي وفعل فعلته .
هي بلا شك مجرد احتمالات .. ولكن من السابق لأوانه الجزم بإحداها وإن كانت كلها واردة.
ولكن بغض النظر عن الفاعل يبقي السؤال:
وماذا بعد؟
هل سيبقي الحال علي ما هو عليه ننتظر عملية أخري وعمليات؟!!
أو بمعني آخر.. هل سنسكت حتى تعود دوامة العنف بعد أن عافي الله بلادنا منها لتدور من جديد؟!!
هل سننتظر حتى يتمزق الوطن ؟!!
القبض علي الجناة وإنزال العقاب الرادع بهم مطلوب.. ولكن هل هذا يكفي لعدم تكرار الحادث وحل الأزمة؟
إن أجهزة الأمن تبذل في هذا المجال جهدا مشكورا ولكنه وحده غير كاف.. فالأزمة ها هنا يعاني منها الوطن كله.. فلابد أن يتضافر الجميع في حلها .
لابد أن تتعاون أجهزة الإعلام في الحل.. بنشر الفكر الوسطي وإتاحة الفرصة للدعاة المعتدلين لكي يوجهوا الشباب ويرشدوهم ولا يحرمونهم حقهم في الدعوة والوصول للناس.. والمشاركة في حماية البلد وشبابها من دعاة الفتنة الذين يستطيعون الوصول إليهم بشتى الطرق .
وينبغي أن ترفع القيود التي تكبل الدعوة والمسجد حتى يشارك المسجد في أداء دوره في حماية الوطن .
وكذا ينبغي أن يفسح المجال للشباب ليمارس حقه في الدعوة والحركة الظاهرة.. ويلتقي بالعلماء والمرشدين في العلن ودون خوف من الاتهام وسوء الظن.. ليخرج من تحت الأرض ويتنفس في حرية فكره ودعوته.. بعيدا ً عن الحركة في الظلام والاختلاط بدعاة الظلام.
وفي المقابل ينبغي أن يوضع حد للاستهانة بالدولة والقانون الذي تمارسه قيادات كنسية بصورة مستفزة لمشاعر الأغلبية المسلمة.. ويعاونهم بعض المسئولين والإعلاميين مما ينشر في نفوس الشباب الاستهانة بالقانون وعدم التزامه واحترامه .
ولابد أن يشعر الجميع أنهم سواسية يعاملون أمام القانون ومؤسساته دون تمييز.
والأخطر من ذلك ينبغي أن يلتزم إخواننا في الوطن باحترام دين الأغلبية ورموزهم.. فإن ذلك أخطر ما يشعل الفتنة ويوقظها من سباتها.
وبعد......
إنها قضية أمن الوطن ينبغي ألا يستهان بها.. وأن يتكاتف الجميع علي حمايته وتجتمع كلمتهم عليه .. وأن يضرب بيد من حديد علي يد كل من يحاول أن يعبث به.
حمي الله مصرنا من الفتن .. ومن دعاة الفتن .. وحمي وحدتها ولحمتها من شر من يريد تمزيقها.
الاثنين الموافق
28-1-1432هـ
3-1-2011م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق