الجمعة، 31 ديسمبر 2010

هدية

  إلي أهل غزة في ذكري المذبحة 

هياء الشطي .. 25 سنة ، بكالوريوس التجارة ، تعمل في مجال الاستثمار ، كويتية الجنسية

هل عرفها أحدكم أو سمع عنها ...

قليل هم الذين سمعوا عنها مثلما سمعوا عن تامر حسني مثلا أو عن حسام حسن.

إنها أحدي النماذج التي ينبغي أن ننير حولها الأضواء لكي يراها شبابنا ليستمد من عزمهم عزما ومن حماسهم حماسا ، ومن همتهم همة ، والأهم أن يتعلم منهم الانشغال بمعالي الأمور وترك سفسافها

هي ابنه لإحدي العائلات العريقة في الكويت ، نشأت وفي فمها – كما يقولون – ملعقة من ذهب 

أمثالها من أصحاب المال والجاه ينفقون مالهم ووقتهم في النزهة والسياحة ولربما في الفجورخاصة وأنها تحمل جوازسفر أمريكي وما أدراك ما الجواز الأمريكي ، ولكنها ومنذ نعومة أظفارها  كان تحمل هما أكبر من سنها وأوسع من عقلها ،اشتركت في جهود الإغاثة الإنسانية بوقتها وجهدها ومالها وترسخت أقدامها في هذا المجال لما دخلت الجامعة فكان أن شاركت في قافلة شريان الحياة البرية لمساعدة أهل غزة والتي أيقظت فيها كثيرامن المشاعر الهاجعة وأججت فيها روحا لعلها كانت خامدة .. 

ولذلك فما ان بدأت الدعاية لقافلة أسطول الحرية حتي شمرت عن ساعدها لتساهم بأقصي ما تملك من جهد ومال فيها حيث كانت صاحبة فكرة شراء السفينة بدر وهي احدي السفن الستة اللاتي تعرضن للهجوم وحملتها بأطنان المساعدات ..

وبين الستمائة راكب من كل بقاع الأرض و الذين شملتهم القافلة غاصت هياء بسنينها الخمس وعشرين وحماسها وحيويتها وتدفقها تنام كيفما اتفق وحيثما تجد مكانها  ومعها من الكويت أربع أخوات أخريات ربما نجد فرصة أخري في الحديث عنهن.

قضيت ليلتي بالأمس أقرأ كلماتها المفعمة بالعاطفة والصدق وهي تحكي عن رحلتها تلك فاخترت أن أنقل بعضها بعباراتها إليكم فهي أفضل من أي كلام يقال عنها تقول هياء:

"تخط أصابعي الهزيلة هذه الأحرف وأنا علي وشك ركوب السفينة .. سفينة البحر .. سفينة تحمل كل أطياف البشر ودياناتهم ، تذكرني بسفينة نوح تارة ، وتذكرني بمحمد الفاتح مرة أخري ، وتذكرني بطارق بن زياد أيضا .. جيشنا المغادر يحمل سيوفا من صدق دعائكم تحميه ، وخيولا من التوكل علي الوكيل يركبها ، ويرتقب طيرا أبابيل لترمي الصهاينة .. قد لا نكون بإيمان تلك الجيوش التي أتذكرها .. فنحن نفوس ضعيفة جدا ، قد أكلت الدنيا قلوبنا وجيوبنا وحتي أحلامنا أيضا .. لكنني واثقة بكرم الله سبحانه علينا . 

لا تحزنوا ولا تخافوا وليكن عرس الشهيد هو احساسكم .. قدمونا لغزة كقربان وفاء ودعم .. نحن نريد ذلك ، نريد أن نشاركهم أحزانهم وأفراحهم ، وهاقد جاءت تلك اللحظة . "

وتقول:

"  الجميع يحمل حقائبه وآمال جبارة علي باب تلك السفينة .. آمال بأن يمسح علي رأس يتيم ، آمال بأن يقبل رأس أم الشهداء ، آمال بأن تلمس يده يد مريض وهو يعطيه دواء الحياة ،آمال بأن يحضن معاقا .، ويقول لكل هؤلاء لن تنمحي الإنسانية .. نحن معكم قلبا .. وهانحن الآن معكم جسدا .. وترتسم ابتسامة هنا علي وجه ذلك وتلك لم افتقدتها ملامحهم منذ سنين "

وتقول :

" تلفت حولي أتأمل الوجوه تارة وأسأل تارة أخري .. من سيتراجع الآن عند نقطة الصفر .. من سيصعد السفينة التي لن ينزل منها أبدا .. إلا في غزة بإذن الله ... لا أحد .. معقولة !!!!!

600 شخص مصممون علي المسير ، ضد رابع أقوي جيش في العالم ، لا يحملون معهم أي أسلوب دفاعي .. حتي الحجر .. مصممون 

لحظة رأيت دموعا تترقرق من عين صديقة أوروبية لي .. ثم علمت أن صديقتها تراجعت في اللحظة الأخيرة .. فالتفتت لي صديقتي الأوروبية تتكلم قائلة " للأسف خسرت الكثير .. الكثير .. الكثير" وأغلق الباب الفولاذي.
يا الله كم أكره هذه الكلمة فهي تذكرني بالجدار الفولاذي الذي عزل فينا آخر أمل بالإنسانية .. 

لكنني لا زلت أقف أمامه .

فقط تراجع شخص واحد من 600 شخص .. مع أن التحذيرات كانت لنا اننا قد نستغرق شهرين بدل الشهر في البحر .. رائع ياغزة .. علمتنا كيف نذوب في عشق الحرية "

وقالت:

" بسم الله مجريها ومرساها .. وانطلقنا في حدود الواحدة فجرا بتوقيت مكة المكرمة نحو قبرص .. مكالمة هاتفية حنونة جدا جاءت من أختي تشد فيها من أزري – المشدود أصلا بفضل الله – وأطل منها رعاية أمي التي أتعب كلما أسمع صوتها المرتجف ووصاياها لي .. أماه لا تخافي ولاتحزني يا قرة عيني ، سأعود بإذن الله .. سأعود لأرتمي في حضنك وأقبل رأسك كل مساء كما اعتدت .. سأعود لتأخذي رأيي بكل ستارة جديدة وكل قطعة جديدة بالمنزل .. سأعود لتتصلي بي وتطلبي مني احضار قائمة الأعشاب من العطار .. سأعود لكي تقر عينك بي ولا تحزني أبدا"

وقالت :

" بعد ذلك قررت الجلوس لوحدي .. مشاعري متضاربة جدا .. شوقا يجتاحني لأمي الغالية .. كل ما أتمناه أن تكون هي مطمئنه .. في آخر مكالمة معها قالت لي " ابنتي اركبي علي متن السفينة كي لا تذبل الإنسانية فينا .. وكي تكوني ممن يقف مع الحق .. لكن لا تنسي أني هنا قلبي يذوب قلقا وخوفا عليك فسماحي لك بالذهاب يقلبني بين الألم والأمل .. ففي كل خطوة تذكري أننا هنا ننتظرك.. كوني بأمان يا ابنتي أرجوكي كوني بأمان .
آه ثم يمر علي قلبي طيف اخواني وأختي .. كم أحس بنبرة الخوف عندما يقولون لي كلمة – الله يحفظك – ويحاولون أن يشجعوني .. كم أحبهم .. فهم الذين ساندوني وعاونوني في كل حياتي بكل ما أحتاج وأكثر ، لا حرمني الله منهم "

ثم تقول :

" الغريب أنني هنا قلبي قلق علي أهلي في الكويت أكثر من قلقي علي نفسي بمراحل .. أنا مرتاحة ومطمئنة لأبعد مدي .. لأنني أعلم أن الله سيختار لنا ما فيه الخير وإن كان في ظاهره الشر ولأنني استخرت كثيرا واستشرت كثيرا وتأكدت من موافقة عائلتي التامة قبل ركوبي علي متن السفينة  - ولله الحمد – فلا أجد ما أخاف عليه غير أن أكون مصدر قلق لأمي الغالية اللهم احفظها واجعلها لنا ذخرا وطمن قلبها يا رب  وصبرها يا رب .. أحبك يا أماه من كل قلبي " 

هذه بعض مقتطفات من مذكراتها حول تلك الأيام العصيبة والممتعة والتي حفلت بالتفاصيل والمشاهد والأحداث .. 
أما بقية القصة فقد كانت علي متن السفينة التي حملت عبئ الحدث الأكبر إذ حاولت القوات الصهيونية أن تقتحمها عبر إنزال من قوات الصاعقة فتصدي لهم الشباب التركي علي السفينة واستطاعوا بعون الله أن ينتزعوا سلاح المهاجمين بأيديهم المجردة وأن يقيدوهم في السفينة .. ثم وبعد مفاوضات ووعود كاذبة من الحكومة الإسرائيلية أفرجوا عنهم وهنا غدر الصهاينة بهم وأطلقوا علي السفينة رصاصهم من طائرات الهليوكبتر لتحدث في السفينة مذبحة بشعة في ركابها العزل وتساق السفن إلي ميناء أشدود الإسرائيلي ويتم انزال الركاب والاستيلاء علي السفن والمساعدات .. ثم وبعد أيام يتم الافراج عنهم ليعودوا ويحكوا لنا قصتهم ومشاعرهم .. 

بل وحماسهم جميعا للعودة وتكرار المحاولة واستعادة تلك المشاعر العظيمة التي أشعلتها في قلوبهم هذه الرحلة .
 
هذه القصة ضمن عشرات القصص مثلها تحملها قلوب المحبين الذين شاركوا في هذه القافلة وفي القوافل الأخري وقلوب من حبستهم الأعذار عن المشاركة وإن كانت قلوبهم تسير مع الذاهبين ترحل معهم وتتوقف
معهم وتشاركهم فرحتهم بالذهاب وألمهم بالمنع وقلقهم وحزنهم وصبرهم اهديها إلي أهلنا وأبنائنا من أهل غزة في ذكري صمودهم وثباتهم في وجه أصنام الشر والارهاب الصهاينة أذكرهم أننا معكم خطوة بخطوة قد يحبسنا العذر عن خطوات ولكن القلوب لا تحجزها الأسوار ولو أطاقت الأجساد الذهاب واستطاعت ما ترددنا للحظة فأنتم علي ثغركم تحرسون شمس الحب والأمل من ظلمات الظلم والقهر فلا تيأسوا فإن فرج الله قريب 

وهاهي الأصفاد كادت أن تزول وإنما هي صبر ساعة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق